الدرس الرابع: الجملة الفعلية و أنماطها

   الجملة الفعلية: هي الجملة التي صدرها فعل نحو: قام زيدٌ، وضُرِبَ اللِّصُّ، وظننتُه قائما، والمراد بصدر الجملة الفعلية المسند وهو الفعل.

نحو: قام(م) زيد، وإن قام(م) زيد أقُم، و قد قام(م) زيد، و هلا قُمْت. و المعتبر، ما هو صدر في الأصل، فالجملة من نحو قوله تعالى: { فأيَّ آياتِ الله تنْكِرون } غافر/81

و قوله تعالى: { ففريقاً كذَّبْتُم و فريقاً تقتُلون } البقرة/87

و قوله: { خُشَّعًا أبصارُهُم يخرُجُون } القمر/7. فعليه، لأن هذه الأسماء التي تقدمت على الأفعال في نية التأخير، أي أن ترتيب الجملة يقتضي أن يكون الفعل فالفاعل فالمفعول فبقية المتممات والمتعلقات، فإن تقدمت هذه المتممات لا يُلغي فعلية الجملة لأن الاعتبار بالأصل. و كذلك الأمر بالنسبة لقوله تعالى:      { و إن أحدٌ من المشركين استَجَارَك } التوبة/6، { و الأنعام خلقها } النحل/5، هذه جمل فعلية لأن صدرها في الأصل أفعال، و التقدير: إن استجارك أحد من المشركين استجارك، لأن إن جازمة تدخل على الفعل لا الاسم. والأنعام انتصبت على الإشعال بفعل محذوف (دلَّ عليه الموجود خَلَقَهَا).

خصائص الجملة الفعلية: تتلخص خصائص الجملة الفعلية في الآتي:

1)    تقدُّم الفعل على فاعله في قوله تعالى: { ألهاكم التكاثر } التكاثر/1

2)    ألاَّ يلحق بالفعل علامة التثنية أو الجمع إذا كان الفاعل مثنى أو جمعا ظاهرا مثال: قام الزَّيدان / قام الزَّيدون.

3)    أن تلحق الفعل تاء التأنيث إذا كان الفاعل مؤنثا في الحقيقة نحو قوله تعالى: {قالت امرأة عمران} آل عمران

4)    كون الفاعل اسما ظاهرا أو مضمرا وسيأتي الحديث عنه في الدرس السادس.

5)    قد يتقدم الفعل نواصب أو جوازم أو استفهام أو نفي ...إلخ و هذا لا يخرج الجملة عن الفعلية، و كذا تقدم المتممات.

أنماط الجملة الفعلية: قسّم النحاة القدامى الجملة (الكلام) إلى خبر و إنشاء، فمثال الجملة الخبرية: { خلق الإنسان من علق } العلق/2. و مثال الجملة الإنشائية: { اقرأ باسم ربّك الذي خلق } العلق/1.

و هناك تقسيمات أخرى للجملة الفعلية نذكر منها: الجملة الفعلية الكبرى، و الجملة الفعلية الصغرى.

الجملة الفعلية الكبرى: هي الجملة التي يكون فيها المفعول الثاني جملة فعلية، مثال ذلك: ظننْتُ(فعل و فاعل) زيْدًا(م به1) يقومُ أبوهُ(م به2).

و الجملة الفعلية الصغرى: هي "يقوم أبوه" التي بنيت على الجملة الأصلية أو على صدر الجملة و هو ظننتُ.

* تقسيم آخر للجملة الفعلية، و هي الجملة البسيطة و الجملة الممتدة.

الجملة البسيطة:(أو الأصلية) و هي المكونة من مركب واحد، و هو المسند و المسند إليه، و يؤدي فكرة مستقلة مثل: حضر زيدٌ. و يطلق بعض المحدثين على الجملة الفعلية اسم "المركب الفعلي".

الجملة الممتدة: و هي الجملة المكونة من مركب اسنادي واحد، و ما يتعلق بعنصريه أو بأحدهما من مفردات هي متممات مثل: حضر زيدٌ صباحاً.

فما هي متممات الجملة الفعلية؟

متممات الجملة الفعلية متنوعة، نلخصها في النقاط الآتية:

    فيما يتعلق بالفعل، ذكر ما يتعلق بالفعل من مفعول به، أو ما يدل على زمانه أو نوعه أو علته، مثال ذلك:

      - أكرمَ زيدٌ الضيفَ / أعطى زيدٌ فاطمةَم به1 كتاباًم به2.

      - خرجَ محمدٌ صباحاًظرف زمان.

      - سجدَ المصلي سجوداً / أو سجدتين / أو سجودَ الخاشعين.

      - وقفتُ إكراماً لمعلمي. و سنأتي إلى هذه المتممات في دروس لاحقة.

و تنقسم الجملة باعتبار الإعراب و عدمه إلى نوعين:

- جملة فعلية لها محل من الإعراب.

       - جملة فعلية ليس لها محل من الإعراب.

1) الجملة الفعلية التي لها محل من الإعراب: و هي الجملة التي تكون واقعة إما خبرا عن مبتدأ، أو صفة، أو حالا، أو مفعولا.

       أ) أن تقع خبرا عن مبتدأ و ما دخل عليها من النواسخ "كإنَّ" و "كان" و "كاد" و أخواتها، مثال ذلك تعالى: { الرحمان علَّم القرآنخ } الرحمان/1و2.

و قوله تعالى: { إنَّ الله و ملاكته يصلُّون على النبيّ(خ لإنّ) يأيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه و سلِّموا تسليماً }

و قوله: { لبئس ما كانوا يفعلون }

و قوله: { يكاد زيتها يضيء} البقرة.

      ب) الجملة الفعلية الواقعة صفة: نحو قوله تعالى: { اتَّقُوا يوما تُرجعون(صفة لليوم) فيه إلى الله } البقرة/ 281. و يشترط في هذه الجملة الواقعة صفة أن تكون خبرية لا إنشائية.

      ج) الجملة الفعلية الواقعة حالا: يشترط في الجملة أن تكون خبرية غير مسبوقة بالسين و سوف و لن. مثال ذلك قول الشاعر:

                   و لقد أمُرُّ على اللَّئيم (صاحب الحال) يَسُبُّني(حالا)           فمضيت و قلت لا يعنيني

       د) الجملة الفعلية الواقعة مفعول به: ظنَنْت المتهمَم به1 يعترفُم به2

                              أو علمتُ زيداً م به1 محمداً م به2 مجتهداً م به3   

          ه) الجملة الفعلية الواقعة نائب فاعل: قيل: يحكم القاضينائب بالعدل.

          و) الجملة الفعلية الواقعة مضافا إليه: في قوله: { إذا زلزلت الأرض زلزالها }

2) الجملة الفعلية التي لا محل لها من الإعراب: من الجمل الفعلية التي لا محل لها من الإعراب، الجملة التي تحل محل المفرد (و هذا هو الأصل في الجملة).

         أ) الجملة الإستئنافية: و تتمثل في الجملة المنقطعة عما قبلها نحو: مات فلان رحمه الله.

             { قل سأتلوا عليكم منه ذِكرا إنَّا مكَّنَّا له في الأرض } الكهف/83و84

             - جملة العامل المُلْغى لتأخره نحو: زيد قائم أظن.

        ب) الجملة المعترضة بين شيئين متلازمين: تأتي الجملة الإعتراضية بين متلازمين لإفادة الكلام تقوية و تسديدا و تحسينا مثال ذلك:

              - تأتي بين الفعل و الفاعل كما في قول الشاعر :

                                    شجاك -أظنُّ- رَبْعُ الظاعنينا     و لم تعبأ بعذل العاذلينا 

أظنُّ: جملة اعتراضية فصلت بين شجاك و فاعله رَبْعُ الظاعنين.

             - الاعتراض بجملة الإختصاص في الحديث النبوي: "نحن معاشر الأنبياء لا نُوَرَّث" ، أخصَّ معاشر الأنبياء (ج فعلية) معترضة بين المبتدأ و الخبر.

             - قال تعالى: { و إنَّه لقسم لو تعلمون عظيم } الواقعة/76 ، لو تعلمون: جملة معترضة بين القسم و وصفه.

        ج) الجملة الفعلية الواقعة جوابا لشرط غير جازم نحو قوله تعالى: { لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } البقرة

    - الجملة الاعتراضية الواقعة بين فعل الشرط و جوابه نحو قوله تعالى: { فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار } البقرة.

    - وقوع الجملة الفعلية صلة للموصول لا محل لها من الاعراب

نحو قوله تعالى: { الذين يومنون بالغيب } البقرة  

                   { إنَّ الذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى }

و للاستزادة ارجعوا إلى شرح الدماميني على مغني اللبيب، للدماميني ج2 ص293و 294.   

 

 

الدرس الخامس : الفعل اللازم و الفعل المتعدي

الفعل و هو النوع الثاني من أقسام الكلم، قسمه النحاة القدامى باعتبار اللزوم و التعدي إلى قسمين : فعل لازم، و فعل متعد. فما الفعل اللازم، و ما الفعل المتعدي، و ما علامة كل نوع منهما ؟

1)الفعل اللازم[1]: هو الفعل الذي يكتفي بفاعله و لا يتجاوزه إلى غيره، أو هو ما لا يتصل إلى مفعوله إلا بواسطة حرف الجر أو ما ليس له مفعول نحو: قام زيد و قعد عمرو.

علامته:

      - ألا تتصل به هاء الضمير فنقول خرج، لا خرجه.

      - ألا يبنى منه اسم مفعول تام فلا يقال من خرج مخروج و إنما يؤتى به بواسطة "مخروج به" فاحتياج اسم المفعول إلى حرف الجر يجعله ناقصا لا تاما.

صور الفعل اللازم: يتحتم أن يكون الفعل اللازم إذا جاء على إحدى الصور التالية:

      • أن يكون على "فَعُلَ" بضم العين التي تختص بأفعال السجايا، أو الأفعال التي تكتفي بفاعلها فقط مثال ذلك : شَرُفَ، و كَرُمَ[2].

      • أن يكون على "فَعَلَ" بفتح العين الذي يكون وصفه على "فُعِيل" نحو ذَلَّ، و عَزَّ فهو "ذَلِيل" و "عزيز".

      • أن يكون على "فَعِل" بكسر العين الذي يكون وصفه على "فَعِيل" مثل : قَوِيَ، و بَخِلَ و الوصف منهما على قَوِيٌّ و بَخِيل.

      • أن يأتي على صورة "أَفْعَل" بمعنى صار كذا و كذا مثل : أَحْصَدَ الزرع و أغَدَّ البعير، إذا صار ذا حصادٍ، و صار ذا غِدَّة.

      • أن يأتي على "افْعَلَلَّ" مثل: اقْشَعَرَّ و اطْمَأَنَّ[3].

      • أن يأتي على "افْعَوْعَل" نحو: اكْوَهَدَ الفرخ : إذا ارْتَعَد.

      • أن يأتي على "افْعَنْلَلَ" بأصالة اللاَّمَيْن نحو: احْرَنْجَمَ القوم بمعنى اجتمع.

      • أن يأتي على "افْعَنْلَلَ" بزيادة احدى اللاَّمَيْن نحو: اقْعَنْسَسَ الجمل: إذا امتنع عن الانقياد.

      • أن يأتي على افْعَنْلَى نحو: احْرَنْبَى الديك: إذا انتفش للقتال، و اسلنقى الرجل: إذا نام على ظهره. و شذَّت ألفاظ فتعدت الفاعل مثل: اسرندى و اغرندى بمعنى عَلَا و رَكِبَ.

      • و أن يكون على اسْتَفْعَل كاسْتَحْجَر الطين، و انْفَعَل كانْطَلَقَ و انفعل.

 

 

و السؤال: هل يمكن تعدية الفعل اللازم ؟ و ماهي الأسباب التي يتعدى بها ؟

 الجواب: يصير الفعل اللازم متعديا بالأسباب الآتية:

أ‌)       دخول همزة النقل تُصَيِّرُه مجاوزا إلى المفعول مثال ذلك قوله تعالى: { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } الأحقاف/20. و تعدية الفعل اللازم بالهمزة سماعي في مذهب المُبرِّد، و قياسي في مذهب الأخفش.

ب‌)  تعديته بالتضعيف: تعدية الفعل اللازم بالتضعيف سماعي عند سيبويه و عند غيره قياسي مثال ذلك: قَوِيَ الرجل و قَوَّيْتُ الرجل. و طَهُرَ الثوب و طَهَّرْتُ الثوب.

ت‌)  تعديته بالتضمين.

ث‌)  تعديته بالألف الزائدة.

2)الفعل المتعدي: هو الفعل الذي يتجاوز الفاعل إلى المفعول به، و هو على ثلاثة أقسام:

     أ) الفعل المتعدي إلى مفعول واحد: و هو كل فعل يطلب مفعولا به واحدا، لا على معنى حرف من حروف الجر. و من ذلك أفعال الحواس كلها نحو: أبصرته، شممته، ذقته، لمسته، و سمعته. فكل فعل من هذه الأفعال مفعولا تقتضيه الحاسة مثال ذلك: أبصرت الكتاب، و رأيت الهلال.

 جاء في التنزيل: { يوم يرون الملائكة } الفرقان/22، و { يوم يسمعون الصيحة } ق/42، { لا يذوقون فيها الموت } الدخان/56، { أو لامستم النساء } النساء/43.

   ب) الفعل المتعدي إلى مفعولين: و يشتمل على نوعين من الأفعال، أحدهما: ما يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ و الخبر.

و الثاني: ما يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ و الخبر.

النوع الأول: و هو ما يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ و الخبر

    و يتمثل في ظن و أخواتها، لأنها تدخل على المبتدأ و الخبر فتنصبهما مفعولين، و أفعال هذا النوع على قسمين: أفعال القلوب، لقيام معانيها بالقلب، و أفعال التصيير[4].

1)    أفعال القلوب: و هي أربعة أقسام:

      القسم الأول: ما يفيد في الخبر يقينا من أفعال القلوب

 و هو: "وَجَدَ" في قوله تعالى: { تجدوه(م به1) عند الله هو خيرا(م به2) } المزمل/20،

و "دَرَى" في قول الشاعر:

                   دُرِيتَ الوفيَّ العهدِ يا عُرْوَ فاغْتَبِط      فإن اغتباطا بالوفاءِ حميدُ.

و قد يتعدى درى بالباء كما في قوله تعالى: { قل لو شاء الله ما تلوته عليهم و ما أدراكم(م به1) به(م به2)} يونس/16.

                و "أَلْفَى" في قوله تعالى: { إنهم ألفو آباءهم(م به1) ضالين (م به2)}.

و "تَعَلَّمَ" في قول الشاعر:

                   تعلم شفاءَ النفسِ قهرَ عدُوِّها       فبالغ بلُطْفٍ في التَّحَيُّلِ و المَكْرِ.

             و كثيرا ما يأتي مفعولاها مقرونا "بأنَّ" يقول الشاعر: 

                 فقُلْتُ تعلم أنَّ للصيد غُرَّةً(سد مسد المفعولين)      و إلا تضيعها فإنك قاتل

 القسم الثاني: ما يفيد في الخبر رجحانا و هو "جَعَلَ" و "حَجَا" و "عَدَّ" و "زَعَمَ" و "وَهَبَ".

مثال "جعل" قوله تعالى: { و جعلوا الملائكة(م به1) الذين هم عباد الرحمان إناثا(م به2)}.

مثال "حَجَا" بمعنى ظنَّ قول الشاعر:

              قد كنت أحجو أبا عمرو(م به1) أخا ثقةٍ(م به2)        حتى ألَمَّتْ بنا يوما ملماتُ

 مثال "عدَّ" قول الشاعر:

         فلا تعدد المَوْلَى(م به1) شريكَكَ(م به2) في الغِنَى      و لكنما المولى شريكُكَ في العُدْمِ

مثال "زَعَمَ" قول الشاعر:

                    فقلت أجِرْنِي أبا مالِكٍ             و إلا فهَبْنِي(م به1) أَمْرَأً(م به2) هَالِكًا

القسم الثالث: يَرِد بالوجهين و الغالب كونه لليقين و يشتمل على فعلين "رَأَى" و "عَلِمَ".

مثال "رأى" قول الشاعر:

                        رأيت الله أكبر كل شيء        محاولة و أكثرهم جنوحا 

و جاءت بمعنى الظن في قوله تعالى: { إنهم يَرَوْنَهُ(م به1) بعيدًا(م به2) و نراه قريبًا } المعارج/6و7

و قد تأتي "رأى" متعدية لواحد إذا كانت بصرية كرأيت الهلال و إذا كانت بمعان أخر.

مثال "عَلِمَ" بمعنى تيقن قول الشاعر:

           علِمْتُكَ(م به1) البَاذِلَ(م به2) المَعْروفِ فانبعثت       إليك بي واجِفاتُ الشوقِ و الأملِ

و جاء بمعنى "ظَنَّ" في قوله تعالى: { فإنْ علِمْتُمُوهُنَّ مؤمناتٍ } الممتحنة/10

القسم الرابع: ما يرد بالوجهين و الغالب كونه للرجحان و يضم: "ظَنَّ" و "حَسِبَ" و "خَالَ".

مثال "ظنَّ" قول الشاعر:

                ظننتُكَ إنْ شَبَّتْ لظى الحربِ صَالِيًا        فعَرَّدْتَ فيمن كان عنها مُعْرِدَا

و "ظنَّ" لليقين في قوله تعالى: { الذين يظُنُّونَ أنهم مُلاقوا ربِّهم(م به1 و م به2)}  البقرة/46

مثال "حَسِبَ" بمعنى ظنَّ في قوله تعالى { يَحْسِبُهُم(م به1) الجاهلُ أغْنِياءَ(م به2) من التعَفُّف } البقرة/46.

و تأتي لليقين على قِلَّتِها كما في قول الشاعر (لبيد): 

          حَسِبْتُ التُقَى(م به1) و الجود خيرَ(م به2) تجارةٍ         رَبَاحًا إذا ما المَرْءُ أصبح ثاقِلًا  

مثال "خَالَ" بمعنى ظنَّ

    أخالك(م به1) إن لم تغْضُضِ الطَّرْفَ ذا هوَى(م به2)      يسُومُك ما لا يُستطاع من الوَجْدِ

2)أفعال التصْيِير:

     و هذه أفعال تستعمل في الدلالة على التحول و تضم: "جَعَلَ، و ردَّ، و تَرَكَ، و اتَّخَذَ، و تَخِذَ، و صَيَّرَ، و وَهَبَ".

مثال "جعل" قوله تعالى: { فجعلناه هباءً منثورَا} الفرقان/23

مثال "ردَّ" قوله تعالى: { لو يَرُدُّونَكُم(م به1) من بعد إيمانكم كفارًا(م به2)} البقرة/109

مثال "تَرَكَ" قوله تعالى: { و تركنا بعضهم(م به1) يومئذ يموج في بعض(م به2)} الكهف/99

مثال "اتَّخَذ" قوله تعالى: { و اتخذ الله ابراهيم(م به1) خليلا(م به2)} النساء/135

مثال "تَخِذَ" قول الشاعر:

         تَخِذْتُ غرازَ إثرِهم(م به1) دليلا(م به2)        و فَرُّوا في الحجاز ليُعْجِزُوني

مثال "صَيَّرَ" قول الشاعر:

         و لَعِبَتْ طيْرٌ بهم أبابيل           فصُيِّرُوا(نائب فاعل:م به1) مثل(م به2) كعَصْفٍ مَأْكُول

مثال "وَهَبَ" قول أحدهم { وهَبَنِي(م به1) الله فِدَاءَك(م به2)}

النوع الثاني: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ و الخبر.

و هذا النوع من الأفعال يطلب مفعولين، يكون الأول منهما فاعلا في المعنى نحو قولنا:

أعطى محمدٌ زيدًا(م به1) درهمًا(م به2).

و كسا عبدُ الله جعفرًا(م به1) ثوبًا(م به2).

و المفعول الأول هنا فاعل في الثاني و لما لم يكن المفعولان المبتدأ و الخبر لم يصح الإخبار بثانيهما عن الأول فلا يصح أن يقال في المثالين: زيدٌ درهمٌ، و جعفرُ ثوبٌ.

و يجوز حذف المفعولين في هذا النوع بلا قرينة دالة عليهما، نقول: زيدٌ يُعطِي و يَمنَع[5].

النوع الثالث: ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل باب أعْلَمَ و أَرَى و ما جرى مجراهما.

عرفنا فيما سبق أن "عَلِمَ" و "رَأَى" من أفعال القلوب، تتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ و الخبر، و إذا دخلت عليهما همزة النقل زيد بسببها مفعول ثالث، وضعه قبل المفعولين نحو قولك:

أعْلَمْتُك زيدًا مجتهدًا.

أرَيْتُك الصِّدْقَ حقًّا.

و جاء في الكتاب العزيز: { كذلك يُرِيهم الله أعمالهم حَسَراتٍ } البقرة/167

و مثل أرى، نَبَّأ و أنْبَأ و خَبَّر و أخْبَر و حَدَّث مثال ذلك قول الشاعر:

            نُبِّئْتُ زُرْعَةَ والسّفاهَةُ كاسمها          يُهْدي إلى غرائب الأشعار

* ما يتعدى إلى مفعولين – إلى الأول بنفسه و إلى الثاني بحرف الجر.

   و يضم هذا النوع الأفعال الآتية: اخْتَار، و استغفر، و أَمَر، و سَمَّى، و كَنَّى، و دَعَا، و زَوَّج، و صَدَّق، و عَيَّر، و هَدَى[6].

مثال ذلك قول الشاعر:

                   أَمَرْتُك(م به1) الخيرَ(م به2) فافعل ما أُمِرْت به       فقد تَرَكتُك ذا مالٍ و ذا نَشَبِ 

و نحو قوله تعالى: { و اختار موسى قَوْمَه(م به1) سبعين رجلاً(م به2) }  الأعراف/155

{ و إِنِّي سمَّيْتُها(م به1) مريمَ(م به2) } آل عمران/

{ فلما قضى زَيْدٌ منها وطَرًا زوَّجْنَاكَها(م به1و2)} الأحزاب/37

قال الشاعر:

           أستغفر الله ذنْبًا لسْتُ مُحصِيه        ربَّ العباد إليه الوجهُ و العملُ  

ملاحظة:

 هناك أفعال توصف بالتعدي و اللزوم مثل: نصحتُك، و نصحتُ لك، و شكرتُك و شكرتُ لك، و وزنتُه و وزنْتُ له، و عدْدتُه، و عدَدْتُ له.        

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدرس السادس: الفاعل

تعريفه: هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله.

أو هو ما قدِّم الفعل أو شبهه عليه كالمصدر و المشتق.

أو هو الاسم المرفوع المسند إليه فعل معلوم تام أو شبهه مذكور قبله و دلَّ على من فعل الفعل أو قام به نحو: ظهر الحق، طلعت الشمس ساطعا نورها.

و نحو: مختلف ألوانه، أفلح الصائب رأيه. و هو على أنواع، ظاهر و مضمر.

أ‌)       الفاعل الظاهر: نحو قام زيد، و قام الزيدان، و قام الزيدون، و قام الرجال، و قامت هند، ز قامت هندان، و قامت هندات، و قام أخوك، و قام غلامي.

يكون الفاعل اسما ظاهرا، مفردا، أو مثنى أو جمعا أو مذكرا، أو مؤنثا كما في الأمثلة السابقة، و هو في هذه الحالة لا تلحق فعله علامة التثنية و لا علامة الجمع، و يجري الفعل مع المثنى و الجمع المذكر كما يجري مع المفرد لأن الفعل لا يسند إلا لفعل واحد. مثال ذلك:

قوله تعالى: { قد أفلح المؤمنون } المؤمنون/1

وإن كان الفاعل الظاهر اسما مؤنثا لحقت الفعل علامة التأنيث (التاء) الساكنة أصالة، إذا كان الفعل بصورة الماضي مثال ذلك قول الشاعر: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول  

وإن كان الفعل مضارعا سبقت الفعل تاء متحركة مثال ذلك: تقوم ليلى.

ب‌)  الفاعل المضمر: يكون الفاعل اسما مضمرا، و الضمير نوعان: ضمير متصل، و ضمير منفصل.

     * الضمير المتصل: و هو الذي يعتمد على الكلمة و منه ما يقع في موضع نصب أو جر أو رفع. و يعنينا من هذه الضمائر الضمير الذي يأتي في موضع رفع فاعل نحو: ضَرَبْتُ، و ضربنا، و ضربتَ، و ضربتِ، و ضربتما، و ضربتم، و ضربتن، و ضرب، و ضربتْ، و ضربا، و ضربوا، و ضربن.

يمكن تلخيصها في تاء الفاعل المتحركة بضم أو بكسر أو بفتح، و "تُم" الضمير الدال على الجمع، و "تُنَّ" الدال على جمع الإناث، و "تُما" الدال على المثنى من الجنسين، و "الواو" في ضربوا، و النون في ضربن (نون النسوة)، و ألف الاثنين، و الضمير المستتر في ضرب، و ضربتْ.

فهذه الضمائر لا تأتي إلا في محل رفع فاعل، و حكمها البناء على الرواية مثال ذلك:

ضربتُ زيداً، فالتاء في ضربتُ ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. و "نا" في ضربنا : ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. و هكذا مع سائر الضمائر التي سبق ذكرها.

       * حكم الفاعل: الرفع على الفاعلية.

       * وجوب تأنيث عامل الفاعل في أربعة مواضع:

              1) إذا كان الفاعل ضميرا متصلا يعود على مؤنث حقيقي أو مجازي،

نحو قوله تعالى: { إذا السماء انشقَّت } الانشقاق/1 

          و قوله: { تلك أمة قد خلت } البقرة/141

 

2)  إذا كان الفاعل اسما ظاهرا مؤنثا حقيقيا متصلا بفعله نحو:

     - { قالت امرأة العزيز } يوسف.

     - { قالت امرأة عمران } آل عمران.

     - " تجوع الحرَّة و لا تأكل بثدييها "

3)  إذا كان الفاعل ضميرا مستترا يعود على جمع تكسير مؤنث أو ما جمع بألف وتاء نحو: الفواطم، الفاطمات فرحتْ، أو فرحن.

4)  إذا كان الفاعل عائدا على جمع تكسير مذكر غير عاقل نحو: الأيام بك ابتهجتْ.

  * جواز تأنيث الفعل في خمسة مواضع:

          1) إذا فصل الفاعل الظاهر الحقيقي التأنيث عن عامله بغير إلا و سوي و غير:

                 حضر اليوم فتاة و يصح حضرت اليوم فتاة.

          2) إذا كان الفاعل ظاهرا مجازي التأنيث نحو: طلع أو طلعت الشمس.

          3) إذا كان الفاعل ضمير جمع مكسر عاقل، نحو: التلاميذ اجتهدت و اجتهدوا.

          4) إذا كان الفاعل جمع تكسير لمذكر أو لمؤنث أو اسم جمع أو شبه جمع نحو: جاء/جاءت        العلماء، قام/قامت الجواري، حضر/حضرت النساء، و أوْرَق/أورقت الشجر.

          5) إذا وقع الفاعل المؤنث بعد فعل جامد نحو: نِعْمَ/نِعْمَت المرأة، بئس/بئست المرأة، ساء/ساءت التلميذة سلوكها. و إثبات التاء أَوْلَى.

    * رتبة الفاعل: الأصل في الفاعل أن يلي الفعل، و ذلك في مواضع ثلاثة:

            1) إذا كان الفاعل ضميرا متصلا : دخلت القسم، { إنّي نذرت للرحمان صوما }

            2) إذا كان المفعول محصورا : ما حضر أحد إلا خالدا. 

            3) إذا خفي إعراب كل من الفاعل و المفعول، كأن يأتيا مضافين إلى ياء المتكلم، أو يأتيا اسمين معتلين بالألف المقصورة : - ضربت سُعدى سلمى.

                                       - أحضر عمي أبي.

   * هل يحذف الفاعل؟

لا يحذف الفاعل لأنه عمدة و مُنزَّل من فعله منزلة الجزء نحو قول الرسول عليه الصلاة و السلام: { لا يزني الزاني و هو مؤمن، و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن } 

  * تقديم المفعول على الفاعل وجوبا[7]: يتقدَّم الفاعل على المفعول وجوبا في ثلاثة مواضع :

          1) إذا كان الفاعل محصورا "بإنَّما" أو "بإلاّ"؛ نحو قوله تعالى: { إنّما يخشى اللهَم به من عباه العلماءُ } فاطر/28.

   - لا يزيد عُرَى المودةم به إلاّ الجميل.

         2) إذا كان الفاعل اسما ظاهرا و المفعول ضميرا متصلا، نحو قوله تعالى: { و لسوف يعطيكم به ربك فترضى } الضحى

         3) إذا اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول نحو قوله تعالى: { و إذِ ابتلى ابراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن } البقرة/124

  * تقديم المفعول على الفعل و الفاعل وجوبا:

       1) إذا كان المفعول من الأسماء التي تحتل الصدارة في الكلام، نحو قوله تعالى: { فأيَّ آيات الله تُنْكرون }  غافر/81

       2) إذا كان المفعول ضميرا منفصلا مرادا به الاختصاص نحو قوله تعالى: { إيَّاكم به نعبدفعل و فاعل} الفاتحة/5

       3) إذا وقع عامل المفعول بعد فاء الجزاء نحو قوله تعالى: { فأمَّا اليتيمم به فلا تقهرفعل و فاعل} الضحى/9

 

أسئلة تطبيقية:

1)    هل يكون الفعل فاعلا ؟

2)    هل يتقدَّم الفاعل على الفعل ؟

3)    أيُحذف المُسنَدُ إليه (الفاعل)؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الدرس السابع: المفعول به

  يعد المفعول به و المفعول لأجله و سائر المنصوبات من متممات الجملة. فما المفعول به؟

المفعول به: اسم دلَّ على ما وقع عليه اسم الفاعل نحو:

      قوله تعالى: { لا يحب الله الجهر بالسوء } فالجهرَ مفعول به وقع عليه فعل الفاعل لا يحب، فالوقوع بمعنى تعلق المفعول بالفعل، أو هو الاسم المنصوب الذي يقع به الفعل نحو قوله تعالى: { وورث سليمان داوود } النمل/16.

و المفعول نوعان ظاهر و مضمر.

أ‌)       الظاهر: نحو قوله تعالى: { علَّم القرآن، خلق الانسان } الرحمان. فالقرآن و الانسان: اسمان ظاهران واقعان مفعولا به للفعل علَّم و خلق.

ب‌)  المضمر: نوعان متصل و منفصل.

         * المتصل: و هو ما لا يصح الابتداء به، أي لا يقوم بذاته، نحو قوله تعالى: { و لسوف يعطيك ربك فترضى } فالكاف في يعطيك ضمير متصل لا يصح الابتداء به و هو واقع مفعولا به.

و عددها اثنا عشر و هي: ضربني، ضربنا، ضربكَ، ضربكِ، ضربكما، ضربكم، ضربكن، ضربه، ضربها، ضربهما، ضربهم، ضربهن.

فهذه الضمائر جميعها مبنية متصلة في محل نصب مفعول به.

         * المنفصل: و هو ما يصح الابتداء به أي يقوم بذاته نحو قوله تعالى: { إياك نعبد} الفاتحة/5

و عدده اثنا عشر و هي: إيّاي، إيّانا، إيّاكَ، إيّاكِ، إ‍يّاكما، إيّاكم، إيّاكن، إيّاه، إيّاها، إيّاهما، إيّاهم، و إيّاهن.

الناصب للمفعول به: الناصب للمفعول به، فعل أو شبهه (مصدر أو مشتق)، و الأصل في ذلك الناصب أن يكون مذكورا كما في قول الشاعر: وددت تقبيل السيوف لأنها        لمعت كبارق ثغرك المبتسم

أو قوله تعالى: { إيّاك نعبد } فإيّاك ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، مقدَّم وجوبا للاختصاص.

و تقبيل: مفعول لوددت منصوب به.

حذف الناصب للمفعول به: يحذف الفعل أنت لا و لا ترتكب أو شبهه وجوبا في المواضع التالية:

1)    في الأمثال و هو سماعي نحو: "الكلاب على البقر" و تقدير الكلام أرسلْ الكلابَ، كل شيء  و لا شيمة حر.

و قولك للقادم: أهلا و سهلا: أي جئت أهلا و نزلت مكانا سهلا.

 

 

 

2)    قياسي في النعت المقطوع نحو قولك: - أقبل الطالب المُجدَّ.

                                          -  سلمت على الصديقةِ الوفيةَ.

                                          - صليت على محمد الكريمَ.

3)    في أسلوب الاشتغال نحو: زيدام به أكرمه. اشتغل الفعل أكرم بنصب الضمير الهاء فانتصب زيدا بفعل يفسره الموجود أو لاشتغال أكرم بغيره.

4)    في أسلوب الاختصاص نحو: نحن العربَ نكرم الضيفَ، فانتصب العرب في الاختصاص.

5)    في أسلوب التحذير بشرط العطف أو التكرار إذا كان بغير إيَّا نحو: النارَ النارَ / أو رأسَك و السيفَ.

6)    في أسلوب الإغراء بشرط العطف أو التكرار نحو:

    - الاجتهادَ الاجتهادَ في طلب العلم.

    - الإخلاصَ و الإتقانَ في العمل.

        7) في أسلوب النداء كما في قول الشاعر: ألا يا سلمى يا دارَ مِيَّةٍ على البلى ...

حذف الناصب للمفعول به جوازا:  يحذف العامل في المفعول به جوازا نحو قوله تعالى: { ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } النحل/30 . الناصب للخير محذوف جوازا تقديره "أنزل".

   - { بل ملَّة ابراهيم حنيفا } البقرة/135 ، العامل: نتبع ملَّة و قد حذف جوازا.

حذف المفعول به:

الأصل في المفعول به أن يذكر لكونه متمما للفائدة، و لكن قد يحذف مثلما حذف العمدة الفعل أو الفاعل، لأن الحذف لا يكون إلا ضرورة بلاغية أو للاتساع أو الايجاز و هلمَّ جرا، و هذه بعض الأمثلة نبين فيها حذف المفعول إما لتناسب رؤوس الآيات أو للإيجاز. قال تعالى: { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى } طه/ ، فيخشى يتعدى إلى المفعول به بنفسه، و حذف المفعول في الآية لتناسب رؤوس الآيات أي لمناسبة يخشى لتشقى.

و كذا في قوله تعالى: { و الضحى و الليل إذا سجا، ما ودَّعك ربك و ما قلى }، حذف المفعول من قلا لمناسبتها لسجا.

و الحذف للإيجاز في قوله تعالى: { ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحا }، حذفت الياء للإيجاز لأن أرجع يتعدى إلى المفعول.

أمثلة قرآنية عن حذف المفعول:

    - قال تعالى: { قال هل يسمعونكم إذ تدعون } الصافات/72، تدعونهم به.

    - قال تعالى: { أو ينفعونكم أو يضرّون } الصافات/73، يضرّونكمم به.

    - قال تعالى: { قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } الصافات/74، يفعلونهم به.

    - قال تعالى: { قال الذي خلقني فهو يهدين } الصافات/79، يهديني.

    - قال تعالى: { و إذا مرضت فهو يشفين } الصافات/80، يشفيني.

     - قال تعالى: { و الذي يُميتني ثم يحيين } الصافات/81، يحييني.

الدرس الثامن: المفعول المطلق

من مُتَمِّمات الجُمْلة الفعلية: المفعول المطلق، والمفعول لأجله والمفعول فيه، والمفعول معه.

المفعول المطلق: سُمِّيَ بالمفعول المطلق لأنه لم يقيد بحرف الجَرِّ كسائر المفعولات.

تعريفه: «وهو المصدر الفَضْلَةُ الذي عمل فيه عامِلٌ من لفظه، أو من معناه، وقد ينوب عنه غَيْرُه.»

ومعنى هذا أن المفعول المطلق غَالبا ما يأتي مَصْدَرًا، وقد ينوب عنه اسم الآلة، أو كُلّ وبَعْضُ. نحو: ضَرَبْتُهُ سَوْطًا أو قوله تعالى: "فلا تميلوا كُلَّ الميل".

أقسام المفعول المطلق:

ينقسم المفعول المطلق باعتبار عامله إلى ثلاثة أقسام: مؤكد لعامله، ومُبَيِّنٌ لنوعه، ومُبَيِّنٌ لعدده.

1-  مُؤَكِّدٌ لعَامِلِه نحو: ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرْبًا.

"فَضَرْبًا" مفعول مطلق مصدر جاء مؤكدا لعامله "ضَرَبْتُ". ومن ميزات هذا النوع أنه لَا يثنى ولا يُجْمَعُ لأنه بمثابة تَكْرار الفِعْلِ والفعل لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ. ونحو قوله تعالى: "وكَلَّمَ الله موسى تكليما"

"فتكليما" مفعولا مطلقا، الغرض منه دفع توهم السهو أو المجاز، وعلى إثبات صفة الكلام لله على الوجه الذي يليق بجلاله، فالكلام إذا أُكِّدَ بالمصدر ارتفع المجاز وثبتت الحقيقة يقول الفرّاء، وهذا باتفاق النحاة (انظر حاشية قطر الندى لابن هشام ج2، ص130)

2-  مُبَيِّنٌ لنوع عَامِله: وهو الذي يدل على هيئة صدور الفعل، نحو: رَجَعَ القَهْقَرى، أو ضَرَبْتُ ضَرْبَ الأمِير، ضربت ضرْبًا شَديدًا أو ضَرَبْتُ الضَّرْبَ.

فالقَهْقَرى: نوع من الرُّجُوع، فهو مصدر الهيئة وهو سماعي واقع مفعولا مُطْلقًا، وضَرْبَ الأمِير، مبين لنوع عامله، ودل على هيئة مصدر الفعل، بإضافة المصدر إلى الأمير. وهو نوع من الضّرب، وكذا ضَرْبًا شديدًا مَصْدَرًا موصوفا مُبَيِّنًا لنوع عامله، أمَّا الضَّرب (المعهود بينك وبين المخاطب والمبين للنوع مصدر الهيئة) يجوز تثنيته وجمعه لاختلاف أنواعه مثال ذلك قوله تعالى: "وتَظَنُّونَ باللهِ الظُّنُونَا" الأحزاب/10.

"فالظّنُونَا": مفعول مطلق وهو مصدر مبين لنوع عامله جاء مَجْمُوعًا لاختلاف أنواعه، فظنُّ المؤمن أن ما وعد الله من النصر حق، وظَنُّ ضعيف الإيمان مضطرب. ومن كان منافقا يظن أن الدائرة تكون على المؤمنين، فاختلفت ظنونهم.

3-  مُبَيِّن لعدد عامله: وهو أن يأتي المفعول المطلق مصدر المرّة بأن يدل على عدد مرَّات صُدُور الفعل كضَرَبْتُ ضَرْبَتَيْن أو ضَرَبَاتٍ، وهذأ يجوز تثنيته وجمعه باتفاق النحاة.

ما ينوب عن المصدر في تأديةِ معناه وإعرابه مفعولا مطلقا

1-  مُرَادِفُه في المعنى: نحو: قَعَدْتُ جُلُوسًا، وقُمْتُ وُقُوفًا.

2-  اسم المصدر أو ما يطلق عليه المصدر المشارك له في اللفظ دون الصيغة: نحو: اصْطَبَرْتُ صَبْرًا، وتَكلَّم كَلامًا.

3-  الصِّفة المُضَافةُ إلى المصْدَر: نحو: سِرْتُ أحْسَنَ السَّير.

"فَأَحْسَنَ": صفَةٌ مضافةُ إلى المصدر السَّيْرِ من سِرْت، فهي إذاً قد نَابَتْ منَابَ المفعول المطلق.

4-  ضميره (المصدر) العائد إليه: نحو: اجتهدت اجتهادا لم يجتهده غيري. فالهاء في يجتهده واقعة مفعولا مطلقا لأنها نابت عن المصدر وهي عائدة إليه (اجتهادا).

5-  ما يدُلُّ على عدده: نحو: "فاجْلِدُوهُمَا ثَمَانينَ جَلْدَةً" النور/

6-  ما يدل على نوعه: نحو: لَا تَخْبِطْ خَبْط عَشْواءَ: نوع من الخَبْط.

                             "قَعَدَ القُرْفُصَاءَ": نوع من القعود.

7-  ما يدل على آلته: نحو: ضَرَبْتُهُ سَوطًا أو عَصًا.

8-  "أَيُّ" الاستفهامية المضافة إلى المصدر: نحو: أَيَّ عَيْشٍ تَعِيشُ؟

9-  نيابة كُلُّ المضافة إلى المصدر عن المصدر: في قوله: "فلا تميلوا كُلَّ المَيْلِ"

10-        "أَيُّ" الشرطية المضافة إلى المصدر: نحو: أَيَّ عَمَلٍ تَعْمَلْ أَعْمَلْ.

السؤال: ما العامل في المفعول المطلق؟ أو ما الناصب له؟

الجواب: يعمل في المفعول المطلق النصب أحَدُ ثلاثة:

1-  الفعل التام المُتَصَرِّف: نحو: اجتهدْتُ اجتهاداً، فاجتهد فِعْلٌ تام يأتي منه المضارع والأمر. ولا يجوز أن يعمل فيه الجامد أو الناقص.

2-  الصِّفَةُ المشبَّهَةُ الدالة على الحدوث (اسم الفاعل، اسم المفعول): نحو: زيدٌ مُجْتهدٌ اجتِهَادًا عَظيمًا، وزيدٌ مَضروبٌ ضَربًا شَديدًا، ولا يجوز أن تعمل فيه الصفة المشبهة لدلالتها على الثبوت.

3-  المصدر بشرط أن يكون مماثلا للمفعول المطلق لفظا ومعنى: نحو: قوله تعالى: "فإن جهنَّم جزاؤهم جزاءًا موفورًا" الإسراء/63.

السؤال: هل يحذف العامل في المفعول المطلق؟

الجواب: يحذف العامل في المفعول المطلق وجوبا في مواضع خَمْسَةِ:

1-  في المصدر النائب عن فعله ويقع في الجملة الإنشائية:

·       قياسا:

-        في الأمر: نحو: صَبْرًا في مجال الموت صَبْرًا. / صَبْرًا على الشدائد.

-        أو في النهي: نحو: صَبْرًا لا جَزَعًا.

-        أو الدعاء: نحو: سَقْيًا لك ورَعْيًا (أي دُعاء له بالسَّقْي).

-        أو استفهاما للتَّوبيخ أو للتَّوجّع: نحو: أَجُرْأَة على قول الزُّور.

          أسِجْنًا وقَتْلا واشْتِيَاقًا وغُرْبَةً؟           .............................

·       سماعا:

-        في سَمْعًا وطاعة، وسُبْحان الله، ومعاذ الله، وحنانيك وهي جمل خبرية.

2-  في المصدر المكرر الواقع خبرا للمبتدأ: نحو: أنْتَ فَهْمًا فَهْمًا

تقدير الكلام: أنت افْهَمْ فَهْمًا فَهْمًا.

 


                           مفعول مطلق منصوب وعامله محذوف وجوبا لأنه واقع                             مكرر خبرًا للمبتدأ أو محصورا: ما أنت إلا أدَبًا.

فإن لم يكن المخبر عنه (المبتدأ) اسم عين بل اسم مَعْنَى وَجَبَ رَفْعُهُ

نحو: أَمْرُكَ عَجَبٌ عَجَبٌ.

 

  اسم معنى         مصدر واقع خبر لاسم المعنى أمْرُك

3-  في المصدر الواقع بعد جملة لغرض التشبيه: نحو: لك قَفْزٌ قَفْزَ الغزلانِ وَلي سَعْيٌ سَعْيَ المُخْلِصِينَ. فقَفْزَ الغزلان وسَعْيَ المخلصين انتصبا على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبا لأنه وقع بعد جملة لغرض التشبيه.  

 

4-  في المصدر المؤكد لمَضْمُون الجُمْلَةِ قَبْلَه: نحو: نادى سَلِيم جَهْرًا.

فَجَهْرًا: انتصب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبا لأنه جاء مؤكدا لمضمون الجملة قبله "نادى سَلِيمٌ".

 

           مضمون الجملة

 

 


هذا أخي حقا، ولا أفْعَلُ كذا البَتَّة.

                                    

 

                            مصدر مؤكد لمضمون الجملة.

5-  في المصدر الواقع تفْصيلا لمُجِمل قبله طلبا أو خبَرًا: نحو قوله تعالى: "فشُدّوا الوثاق فإمَّا مَنَّا وإمَّا فداءً"، وقولنا: لأجاهِدَنَّ فإِمَّا نَصْرًا وإمَّا شهادة

أسئلة تطبيقية:

1)  ما الفرق بين المفعول المطلق ونائبه؟

2)  عين المفعول المطلق فيما يأتي:

-        ولا تَبْنِ في الدنيا بِناءَ مُؤَمِّلٍ              خُلُودًا فَمَا حَيٌّ عَلَيْهَا بِخَالِدٍ

-        قال تعالى: "وسَيَعْلَمُ الذيِن ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبِ ينقَلِبون" الشعراء/227.

-        أَضَعْتَ العُمْرَ عِصْيَانًا وجَهْلاً            فمَهْلاً أَيُّهَا المَغْرور مَهْلاً.

-        أَسِجْنًا وَقَتْلاً واشْتِياقًا وغُرْبَةً؟            ونَاْيَ حَبِيبٍ إنَّ ذا لَعَظِيمُ.

 

 

الدرس التاسع: المفعول لأجله (له)

اسمٌ يُذكر لبَيَان سبب وقوع الفعل أو هو كُلّ مصْدَر مُعَلِّلٍ لحَدَثٍ مشارك له في الزَّمان والفاعل، نحو: قوله تعالى: "يَجْعَلونَ أَصَابِعَهُم في آذَانِهم من الصَّواعق حَذَرَ الموت" البقرة.

"فَحَذَرَ": مصدر منصوب، ذُكِرَ عِلَّة لِجَعل الأصابع في الآذان، وزمنه وزمن الجَعْل واحد، وفاعلهما واحد، الواو في يجعلون وتمثل الكافرين.

شروط نصب المفعول لأجله: إذا استوفى المفعول لأجله الشروط الآتية:

·       أن يكون مصدرًا.

·       أن يكون عِلَّةً لحدثٍ.

·       أن يكون مشاركا لذلك الحدث في الزمان والفاعل.

وهذه الشروط لا تستلزم وجوب النَّصبِ وإنما جوازه، إذ يجوز جَرُّهُ، فلو فقد المعلّل شرطا من هذه وجب جَرُّه بلام التعليل وكذا "من" و"في" و"الباء" و"الكاف". مثال ذلك:

-        "هو الذي خَلَقَ لَكُم ما في الأَرْضِ جَميعا" البقرة/29.

"فلكم": مفعول لأجله والمخاطبون هم العلة في الخلق وخفض ضميرهم باللام لأنه ليس مَصدَرًا.

وقول الشاعرامرىء القيس:

ولو أنَّ ما أسْعَى لأدْنَى معيشةٍ            كَفَانِي – ولَمْ أطلب – قليلٌ من المالِ

"فَأَدْنَى": اسم تفضيل وليس بمصدر ولهذا جُرَّ باللام.

-        "ولا تقتلوا أولادَكم من إملاق" الأنعام/151.

-        "دخلت امرأةٌ النار في هرة" حديث.

-        "فبِظلم من الذين هادوا حَرَّمنا" النساء/160.

-        واذكروه كما هَدَاكم" البقرة/198.

 وهذا المصدر أو المفعول له:           

·       يكون مجردا عن أل والإضافة.

·       يكون مُحَلّى بأل.

·       يكون مضافا.

وفي جميع هذه الحالات يجوز الجَرُّ بحرف الجَرِّ دالٍّ على التَّعْليل. لكن يأتي مَنْصُوبًا في الغالب المجرّد عن "أل" والإضافة وعَكسهُ المحَلَّى بِاَلْ الغالب فيه الجَرّ أمَّا المضاف فالنَّصْبُ والجَرُّ فيه سواء.

-        مثال: ما فَقَدَ اتّحَاد الزَّمَان قَوْلَهُ:

   فَجِئت وقَدْ نَضَّت (1) لنَوْمٍ ثيابَهَا            لدَى السِّتْرٍ إلا لِبْسَةَ المُتَفَضِّل

فإن النوم وإن كان علة خلعِ الثياب لكنَّ زمن خلع الثوب سابق على زمن النوم.

-        مثال: ما فَقَدَ اتّحَاد الفاعل قَوْلَهُ:

وإِنِّي لَتَعْرُونِي (2) لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ (3)         كما انتفض العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ.

ففاعِلُ تَعْرُو: الهِزَّة، وفاعِلُ الذِّكْرى: المُتَكلّم. أي لِذِكْرِي إيَّاك.

فلمَّا اختلف الفاعل جُرَّ المفعول باللام.

 

 

 

    

 

 

 

_______________

(1) نَضَت/ ونَضَّت الثَّوبَ: نَضَا، تَنْضُوهُ نَضْوًا: إذَا خَلَعَتْهُ.

(2)  لَتُصِيبُني، لَتَغْشَاني.

(3) الرِّعْدَة، الانْتِفَاضَة.       

الدرس العاشر: المفعول معه

تعريفه: اسم فَضْلَةٌ مَنصوبٌ يقع بعد واو المعية، مسبوقة بفِعْلٍ أو شِبْهِه نحو: سِرْتُ والبحْرَ أي معَ البحْرِ.

شروط نَصْبِه: هناك ثلاثة شروط لِنَصْبِه:

1-  أن يكون الاسم الواقع بعد الواو فَضْلَةً.

2-  أن ما قبل الواو جملة فعلية أو مشتملة على اسم الفاعل أو اسم المفعول أو المصدر، نحو: مَشَيْتُ والطريق، أنا سَائِرٌ والبَحْرَ، وزيد مَسْجونُ وعَمْرًا، وعَجِبْتُ من سَيْرِكَ والنَّيل.

3-  أن تكون الواو والتي تَسْبق المفعول معه، تدُل على المعية، كسِرْتُ والجَبَلَ.

نَاصِبُ المفعول معه: هو مَا تَقَدّمه من فِعْلٍ كَمَشَيْتُ والطريق أو بِشِبْهِه (اسم الفاعل، اسم المفعول، المصدر) كأنَا سائرٌ والنَّهْرَ.

السؤال: هل يَجوز أن يتقدم المفعول معه على عامِله أو صَاحِبه؟

الجواب: لا يجوز تقديم المفْعُول عَلى عَامِلِه ولا على صَاحِبِهِ نحو: والطريقَ مَشيْتُ، ولا مَشَى والطريقَ زيْدٌ.

تطبيقات

بيّن أنواع المفاعيل فيما يأتي:

-        ولقَدْ تَمُرُّ عَلى الغَديرِ تَخَالُهُ                والنَّبْتَ مرآةٌ زَهَتْ بإِطَارِ.

-        وَمَشَيْتُ مِشْيَةَ خَاشِعِ متواضع              لله لا تزهو ولا تتَكَبَّرُ.

-        سيري والطَّريقَ مُسْرِعةٌ.

-        قال تعالى: "فَاَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ" يونس/71.

-        لاَ تَنْهَ على القَبيحِ وإتْيَانَهُ".

-        وقال تعالى: "وسَخَّرْنَا مع داوود الجبال يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ" الأنبياء/79.

 

_______________

المراجع:

-        قطر الندى وبل الصدى لابن هشام.

-        القواعد الأساسية للغة العربية حسب منهج متن الألفية لابن مالك وخلاصة الشراح لابن عقيل وابن هشام والأشموني لمؤلفه: السيد احمد الهاشمي.



[1]  و يسمى الفعل القاصر، غير المجاوز، غير الواقع نحو : ذهب، دخل، خرج، رَمَى، فرَّ، مرَّ .... و هلم جرًّا.

[2]  انظر مغني اللبيب ج2. ص 573 و المقتضب ج 1، ص 71، و شرح شذور الذهب ص 35.

[3]  ارجعوا إلى محاضرات علم الصرف (الفعل المزيد)، و كذا الممتع لابن عصفور ج1.

[4]  عد إلى شرح شذور الذهب ص 333-339.

[5]  انظر شرح الكافية ج2 ص274.

[6]  ارتشاف الضرب ج ...

[7]  ارجع إلى شذور الذهب لابن هشام.