المدارس التاريخية
يعد مقياس المدارس التاريخية من أهم المقاييس التي تعرف الطالب في الجامعة بنشأة علم التاريخ وكيفية قراءته وتحليل الأحداث التي وقعت والصراعات التي حدثت بين الناس قديما وحتى اليوم، فالتاريخ هو استحضار الماضيولكن من أجل دراسته واستحضار العظات والمواعظ والفوائد والحرص على عدم تكرارها.
وقد اختلف الناس في قراءة التاريخ بين من يعتبره مجرد أحداث للتسلية وتمضية الوقت وحشوه بالأساطير والخرافات التي تزيد من عنصر التشويق والمتابعة، ومنهم من يعتبره مجالا معرفيا ضم تجارب الشعوب والأمم السابقة وكيف تفاعلت مع البيئة ومع الشعوب الأخرى المخالفة لها ونظرا لتباين فهم وقراءة الحوادث الماضية ونزوع الناس إلى الرفع من قيمة أمجاد من سبقهم من الأجداد والأسلاف تباين فهم التاريخ ودراسته من بيئة لبيئة ومن حضارة لأخرى ومن دين لدين آخر.
مفهوم التاريخ ونشأة علم التاريخ:
التاريخ هو علم من العلوم الاجتماعية يعني بدراسة حركات المجتمعات والجماعات البشرية وتفاعلها مع بعضها البعضومع البيئة والطبيعة ومظاهر هذا التفاعل.
والتاريخ كلمة تعود إلى عدة اشتقاقات لغوية وحضارية وهي مشتقة حسبما يذكره الباحثون من كلمة ARCH اليونانية وتعني الأثر، وعند بعضهم يعتبر الكلمة فارسية الأصل منتسبة لعبارة ماهروز اي حساب الشهور، وتوجد هذه الكلمة في جذر اللغة العربية عند الساميين باليمن حيث يقولون ورخ الكتاب وأرخ الكتاب أي سجله وكتب عليه ودونه، ومنه فالتاريخ هو الإعلام بالوقت.
ومن الناحية الاصطلاحية يتباين مفهوم التاريخ بين الشعوب والثقافات، ففي الفكر الإسلامي يعني التاريخ الظاهر من الحوادث المختلفة ومدارسة الباطنة من الاسباب التي دفعت لحدوثها وفقما يرى ابن خلدون في مقدمته.
ويرى أن التاريخ هو خبر عن الاجتماع الانساني الذي يشكل عمران العالم
فالتاريخ هو دراسة الاخبار الماضية والاثار والتنقيب فيها ومعرفة صحة وقوعها من عدمه وأسباب ذلك.
ويسقط التاريخ عند بعض العلماء على كلمة الخبر والنبأ وقد ذكرها القر’ن الكريم في ص قال:" وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب فدخلوا على داوود ففزع منهم" أو تحت عبارة الحديث :" وهل أتاك حديث موسى اذ راى نارا فقال لاهله امكثوا اني انست نارا لعلي اتيكم منهم بقبس ا واجد على النار هدى" سورة طه.
وعرفه السخاوي في كتابه الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ بقوله ان التاريخ هو حسن تعريف الرجال الذين صنعوه واتخاذ مسارهم قدوة"
ولم تظهر عهبارة التاريخ عند المسلمين حتى النصف الاول من القرن الثاني الهجري وذكره عوانة بن الحكم[1] في كتابه التاريخ ثم بعده ابن الكلبي[2] وابن عدي.
وقد سبق العرب غيرهم في العناية بالتاريخ فسموه أحيانا بالأيام لضبط الحزادث واتخاذها كمنطلق لمراحل جديدة كحرب الباسوس وعام الفيل وداحس والغبراء وذي قار غيرها من الايام المعلمية التيوقع الاتفاق عليها في زمان وقوعها والاطراف التي صنعتها.
وبعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم اتخذت سينة الهجرة كبداية للتاريخ الإسلامي، وهذا كان معمولا به كما يذكر البعض قبل بعثة النبي وقبل حادثة التأريخ الأولى التي تنسب للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
العلوم المساعدة على فهم التاريخ:
التاريخ كعلم من العلوم الانسانية لا يعمل بمفرده في اثبات الحقائق التي عاشه الناس في الماضي، خاصة وان هذه الحقائق تمازجت فيها عناصر كثية اقتصادية واجتماعية ودينية وعلمية وفنية وعمرانية.
ولذلك فان علم التاريخ لا يستطيع ان يستغني عن التعامل والاستفادة من مختلف العلوم لتاكيد الحوادث وتثبيتها وتجليتها فهو يتعامل مع علم الاثار وعلم الكون والفن والصناعة والثقافة والسية والاقتصاد وتطور الافكار وعلم الخحرائط والجغرافيا وعلوم الطبيعة وفنون القتال وغيرها، وهذا ما يسمى في علم المناهج بالتكامل المعرفي.
التاريخ عند الشعوب والأمم:
عرفنا سابقا ان التاريخ صناعة بشرية وموروث مشترك بين الانسانية لكن لا نستطيع تاكيد من من الشعوب اخترعه وقمه للبشرية لتستفيد منه في قراءة الماضي واحداثه المنصرمة.
علم التاريخ
ينتمي علم التاريخ إلى العلوم الاجتماعيّة أو الانسانيّة، وهذه العلوم كثيرة مثل: الأنثروبولوجيا، علم النفس، الاقتصاد، علم الاجتماع، الجغرافيا، الديمغرافيا، العلوم السياسيّة...
وتنطوي كلمة «تاريخ» لدى أغلب الشعوب على ثلاثة معان، فهي تعني أولاً ماوقع في الماضي، وتعني ثانياً سَرْد ما وقع في الماضي فعلاً أو مايتصوّر الراوي أنّه وقع فعلاً، وتعني ثالثاً دراسة الماضي (رواية الأحداث وتأويلها)، فالتاريخ هو إذن معرفة لمادّة معيّنة، لكنّه أيضاً مادّة لتلك المعرفة، على أَلاَّ يُفهم من ذلك وجود تطابق بين الماضي ومعرفة الإنسان لذلك الماضي، فالتطابق رهينُ ما يتوفّر للمؤرخ من وثائق وشواهد عن ذلك الماضي، ومن قُدرة على الإلمام بذلك الماضي وسَبْر أغواره، على أنَّ التطابق التام صعب جدّاً إن لم نَقُل مستحيلاً، ويُوجد من المؤرِّخين من يذهب إلى حدّ القول إنَّ أقصى وأحسن ما يمكن أن يبلغه المؤرِّخ هو «ذاتية غير منفعيّة» أو«لاَ انحياز نزيه»، أمَّا الموضوعيّة، فأمرٌ صعب المنال إن لم نَقُل شيئاً آخر.
إنّ المعنى المزدوج لكلمة «تاريخ» موجود في كلّ اللّغات تقريبًا، ولعلّ ذلك ناشئ عن شعور دفين لدى الإنسان بالارتباط الوثيق بين معرفة الماضي والماضي ذاته، وقد يبرِّر هذا المعنى المزدوج لكلمة «تاريخ» كون الإنسان –موضوع المعرفة التّاريخيّة- هو أيضاً كائن تاريخي، وهذه المعاينة جعلت المهتمّين بالشّأن التّاريخي يواصلون طرح نفس الأسئلة، وذلك منذ العصر الإغريقي القديم إلى اليوم.
المدارس التاريخية وفلسفة التاريخ
تعد المدارس التاريخية الغربية ثمرة لمجموعة من التحولات التي شهدتها أوروبا بعد النهضة وقد عرفت اوروبا كما هو معروف بعد النهضة صراعا فكريا كبيرا قام على أساس الاهتمام بالعلم وتقديم العلم على الدين وعلى المعتقدات الكنسية.
وقد تمكن العلماء والمفكرون الأوائل الغربيون من الانتصار على الفكر الكنسي وتطويقه وحصره في زوايا الأديرة والمعابد وتمكنت العلوم المختلفة من التحرر من رباط الكنيسة ومن رباط القراءات الكنسية للعلوم بمختلف اشكالها وألوانها. وقد كانت الكنيسة تقدم للعقل الغربي مجموعة من الأفكار الموهنة والمنحرفة الجاهزة ليس فقط في مجال التاريخ والجغرافيا بل في كل مجالات الفكر والعلم، كالفلسفة والحساب والرياضيات والفلك وغير ذلك واستطاع العلماء الاوائل وتمكنوا من القضاء على سيطرة الكنيسة وراحوا يفسرون ويبحثون في مختلف العلوم بما عندهم وما لديهم من قدرات فكريه وقدرات عقلية وهكذا بدات تظهر التفسيرات والرؤى والأفكار التي قرأ بها العقل الغربي مختلف العلوم والمعارف، ومن أمثلة الصراع بين الكنيسة والعلم التجريبي في أوروبا القائم على القواعد الثابتة والتجارب الملموسة ما قام به الفلكي الايطالي غاليليو غاليلي الذي تحدى الكنيسة بالقول بمركزية الشمس ودوران الأرض والقمر وسائر كواكب المجمةعى الشمسية حولها، وهو تصور يخالف معتقدات الكنيسة التي اتهمته بالهرطقة والخروج عن الدين وقدمته للمحاكمة.
ورغم انتصار العلم على المعتقدات الكنسية الا ان تفسير التاريخ ظل يخضع لعدة منطلقات وعدة مبادئ وافكار تقوم عليها فلسفة التاريخ لكل شعب من الشعوب ولكل حضارة من الحضارات ويمكن القول انه لا يخلو تاريخ من قراءة فكرية ومن مضامين دينية يستند عليها.
فالتاريخ الغربي رغم ما وصل اليه من تطور ومن تقدم في مجال المناهج والاعتماد على الوثائق والتحليل والتهميش والاسلوب فانه لا يخلو ميدان التاريخ من عمق القراءة المسيحية لبداية التاريخ ونهايته والتي لا تعدو ان تكون توطئه للفكر المسيحي ولنشاة المسيحية، التي يعتقد عموم الباحثين أنها جاءت خلاصا للبشرية من الذنوب التي اقترفها الناس والتي سوف يتحمل وزرها النبي المخلص يسوع عليه السلام "عيسى عليه السلام" ونفس الشيء بالنسبه لنهاية الكون ونهاية الحياة ففي فكر وفلسفة التاريخ المسيحي الذي يرسم مسارات التاريخ الغربي يحسر نهاية التاريخ في انتصار الفكر الغربي وانتصار المسيحية في النهاية وفق معتقداتهم، وأن المسيحية والرجل الأبيض الغربي سوف ينتصر على الظلم وعلى الجور وعلى طغيان الانسان وشدته على نفسه وعلى غيره من بني جلدته
[1] - مؤرخ ونسابة اسلامي عاش زمن بني امية توفي سنة 147 هـ وله فضلا عن كتاب التاريخ كتاب سير معاوية وبني أمية عاش بالكوفة جنوب العراق وهو مصدر مهم لاغلب الدراسات والكتابات التي تتناول صدر الإسلام وبني امية انظر شمس الدين الذهبي، سير اعلام النبلاء الجزء السادس، مؤسسة الرسالة بيروت لبنان/2000، ص201.
[2] - مؤرخ عربي ومحقق ونسابة ولد سنة 201هـ بالكوفة حيث درس وتعلم به العلوم والمعارف ونقل عن شيوخه طلب التاريخ وجمع دواوين النسب وحوادث الماضي وسير الصالحين، ويذكر المحدثون أن بن حزم الاندلسي قد نقل عنه كتابه جمهرة انساب العرب، كما اقتبس عنه كتاب الامثال، واخذ عنه العلم مؤرخون ومحققون اخرون شكلوا طبقة القرن الثاني والثالث الهجريين وابدعوا في الكتابة حتى قيل ان الذين جاؤوا بعده كانوا عالة عليه، منهم محمد بن سعد ومحمد بن جرير لالطبري والمسعودي وغيرهم، واخذ عنه تقاسيم اىلبلدان واحوال الشعوب والامم ياقوت الحموي والسمعاني وبن منظور ترك نحوا من 100 كتاب في مختلف الفنون.
- معلم: mohamed oudjertni